فصل: مسألة كان يسأل رجلا عشرة دنانير إلى أجل وحلف بطلاق امرأته إن لم يقضه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة حلف بطلاق امرأته البتة ألا يكلم أخا له عشرة أيام وكان حلفه ضحوة:

ومن كتاب البز:
وسئل مالك: عن رجل حلف بطلاق امرأته البتة ألا يكلم أخا له عشرة أيام، وكان حلفه ضحوة، أترى أن يعتد بذلك اليوم؟
قال: أحب إلي أن يلغي ذلك اليوم ولا يعتد به، قال ابن القاسم: وهو رأيي.
قال محمد بن رشد: القياس ألا يلغي بقية ذلك اليوم وأن يعد عشرة أيام من تلك الساعة، وهو قول مالك الأول، وعليه يأتي جوابه في هذه المسألة؛ لأنه استحب أن يلغي ذلك اليوم فلا يكلمه حتى تمضي عشرة أيام بعد انقضاء بقية ذلك اليوم؛ لأنه أبرأ من الحنث مراعاة للقول بأن الواجب إلغاء بقية ذلك اليوم، وهذا القول الذي رجع إليه مالك، فلو كلمه بعد عشرة أيام من تلك الساعة لم يحنث عنده؛ لأنه استحب إلغاء ذلك اليوم ولم يوجبه، ولو حلف على قياس هذا ليكلمنه في هذه العشرة الأيام فلم يكلمه حتى انقضت عشرة أيام من تلك الساعة حنث، وقد مضى القول على اختلاف قول مالك في هذه المسألة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب طلاق السنة، ومضى في سماع سحنون من كتاب النذور ما يزيد ذلك بيانا، فلا وجه لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف على زوجته بطلاقها ألا تخرج من بيته سنة إلا بإذنه:

وسئل مالك: عن رجل حلف على زوجته بطلاقها ألا تخرج من بيته سنة إلا بإذنه، فكان يأذن لها كلما أرادت أن تخرج، ثم سافر ثلاثة أشهر فأذن لها عند خروجه أن تخرج حيث أحبت، ثم قدم فأقام فأرسلت أم امرأته إليها أن ايتني، فقالت: إن زوجي ليس هاهنا، وقد حلف ألا أخرج إلا بإذنه، فإذا جاء استأذنته في ذلك، فمر الرجل بأم امرأته فقالت له: ألا تأذن لفلانة تأتيني، فإني أرسلت إليها، فقالت: لا أستطيع أن أخرج حتى يأذن لي زوجي، فقال لها زوج ابنتها: نعم وكرامة، أنا آذن لها وأرسلها إليك، ثم خرج زوج ابنتها من عندها فأرسلت إليها أمها، فقالت: لا أستطيع أن أخرج، فقالت لها أمها: إنه قد أذن لك، فخرجت إلى أمها قبل أن يدخل زوجها بيته أو تكلمه في ذلك، فما ترى عليه؟
قال مالك: إن كان قال لها ذلك وهو يريد أني قد أذنت لك وتلك نيته فلا أرى عليه شيئا، وإن لم يكن نوى في قوله أنا آذن لها وأرسلها إليك الإذن في ذلك فأراه قد حنث.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إن ذلك ليس بإذن إلا أن يريد بذلك أني قد أذنت لها، وأما قوله إنه حانث إن لم يرد بذلك الإذن فيدخل في ذلك اختلاف بالمعنى؛ لأنها لم تخرج عاصية لزوجها في الخروج بغير إذنه، وإنما خرجت لما أخبرتها أمها أنه قد أذن لها، فيحنث على مقتضى اللفظ لأنها قد خرجت قبل الإذن، ولا يحنث على اعتبار المعنى؛ لأن معنى يمينه ألا تعصيه بخروجها دون أن يأذن لها، ألا ترى أنه لو أذن لها فخرجت بعد أن أذن لها ولم تعلم بالإذن لحنث لكونها عاصية بالخروج، إذ لم تعلم بالإذن، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في أول مسألة من رسم أسلم من سماع عيسى، وسيأتي القول عليها هنالك إن شاء الله.

.مسألة منت عليه بثوب اشترته بدين حلف ألا يلبسه حتى يكتب عليه الثمن:

وسئل: عن رجل كان تزوج امرأة فاشترت امرأته ثوبا بدين فكسته زوجها فمنت عليه بذلك، فقال: أنت طالق البتة إن لبسته حتى تكتبي علي ثمنه، فدعت مولاة امرأته جارية لها كاتبة فكتبت عليه بذلك كتابا وأشهدت بذلك عليه امرأته مع المولات وأشهدت بذلك مولاتها لزوجته، ثم أخذه ولبسه وباعه.
فقال له: ما أردت بذلك؟ فقال: أردت أن أدفع ثمنه من عندي، فقال: أرى أن تدفع إلى صاحب الثوب ثمنه وتكتب له بذلك كتابا ولا تدفع إلى زوجتك الثمن وأرجو ألا شيء عليك.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنها لما منت عليه بالثوب الذي اشترته بدين حلف ألا يلبسه حتى يكتب عليه الثمن ليدفعه إلى البائع من عنده إذا حل الأجل على ما أخبر الحالف أنه أراد، فرأى مالك أنه قد بر بكتاب زوجته عليه الثمن لنفسها إلى ذلك الأجل، ولم ير عليه حنثا في أخذه ولباسه بعد أن كتب عليه الثمن؛ لأنه إنما كتبه على نفسه لها وهو يريد أن يدفعه إلى بائع الثوب على ما نوى.
وقوله: أرى أن يدفع إلى صاحب الثوب ثمنه يريد إذا حل الأجل ويكتب له بذلك كتابا يريد على نفسك من الآن إنما هو استحسان ليس على أنه يحنث إن لم يفعل ذلك؛ لأن اللباس قد وقع بعد أن انحلت اليمين عنه بكتابه الثمن على نفسه على ما حلف عليه، فقوله في آخر المسألة: وأرجو ألا يكون عليك شيء، معناه: في أخذك الثوب ولباسه بعد أن كتبت على نفسك الثمن لزوجتك، وليس معناه أرجو ألا شيء عليك إن دفعت إلى صاحب الثوب ثمنه إذا حل الأجل وكتبت له على نفسك كتابا من الآن؛ لأن لباس الثوب قد وقع، فإن كان لم يحنث فلا يحنث بعد، وإن كان قد حنث فلا يزول عنه الحنث، وهذا بين والحمد لله.

.مسألة قال امرأتك طالق البتة إن كنت فعلت كذا وكذا قال نعم:

وسئل مالك: عن رجل لقيه رجل، فقال له: إني أخبرت أنك فعلت كذا وكذا، قال: لم أفعل، قال: فامرأتك طالق البتة إن كنت فعلت كذا وكذا، قال: نعم امرأتي طالق البتة إن كنت فعلت، واستثنى في نفسه إلا كذا وكذا، الذي استحلفه عليه.
قال: إن كان شيئا إنما وسوس به نفسه لم يحرك به لسانه، ما أراه إلا وقد حنث، ورأيته إن كان تكلم به فلا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: ورأيته برئ إن كان تكلم به فلا شيء عليه، معناه: وإن لم يعلم بذلك المحلوف له، قاله ابن القاسم من سماعه في كتاب النذور، وهو نص على نية الحالف، لا على نية المحلوف له، ومثله لابن وهب في سماع عيسى وزونان، خلاف قول ابن القاسم في رسم حمل صبيا من سماع عيسى، وخلاف ما في رسم الصلاة من سماع يحيى، وقد اختلف في هذا اختلافا كثيرا قد مضى تحصيله في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، ومضى هناك أيضا الاختلاف في الاستثناء دون تحريك اللسان، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته وغاضبته إن هو خرج في سفر لم يرجع إليها سنين:

ومن كتاب باع غلاما بعشرين دينارا:
وعن رجل حلف بطلاق امرأته وغاضبته إن هو خرج في سفر لم يرجع إليها سنين.
قال: إن أراد بلدا مثل مصر ويخرج إلى غيرها فلا أرى عليه شيئا، وإن لم يرد موضعا فأرى اليمين عليه إن خرج من المدينة إلى سفر من الأسفار.
قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه إذا لم ينو بلدا بعينه فاليمين له لازمة إن خرج إلى ما تقصر فيه الصلاة من الأسفار، وإنما يختلف لو قال: إن خرج من المدينة ولم يقل في رسم سفر على ما يأتي القول فيه في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب، إن شاء الله.

.مسألة تحمل برجل فقال له الحميل إني لأخشى أن تغرمني:

وعن رجل تحمل برجل، فقال له الحميل حين أراد أن يتحمل به: إني لأخشى أن تغرمني، فقال له: امرأته طالق البتة إن أغرمتك منها شيئا، فلما حل الحق أراد الحميل أن يسلفها إياه؛ لأنه إذا سلفها إياه فقد غرمها عنه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن معنى يمينه لا أغرمتك منها شيئا إلا وديتها أنا فلا تغرمها أنت، فإذا لم يؤدها إلا من ماله فكأنه قد أغرمه إياها، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لأخيه امرأته طالق إن نفعتك بشيء فاشترى لامرأته لحما بدرهم:

وعن رجل قال لأخيه: امرأته طالق إن نفعتك بشيء، فاشترى لحما بدرهم فبعث به مع غلام له إلى بيته فأخطأ فدفعه إلى أخيه، فأتى إلى بيته فسألهم عن اللحم، فقالوا له: لم يأتنا شيء، فسأل الرسول فإذا هو قد دفعه إلى أخيه.
قال مالك: لا أرى عليه شيئا وأرى أن يطلب الرسول بالثمن ويطلبهم الرسول بالثمن، يريد لأخيه، قال سحنون: لا يكون للرسول أن يتبع الأخ بشيء؛ لأنه أفاته ثم يدعى الغلط فلا يقبل منه، قال عيسى: إذا تجافى الحالف عن إغرام الرسول وتجافى الرسول عن إغرام الأخ لم يحنث أيضا، وإن تجافيا جميعا عن إغرام الأخ حنث، وهو قول أصبغ وغيره من أهل العلم.
قال محمد بن رشد: لم يثبت قول سحنون في جميع الروايات، ووجه أنه حمله على التعدي ولم يصدقه فيما ادعاه من الغلط، وإذا حمل على التعدي كان حكمه حكم الوكيل يهب مال موكله أو يحابي فيه فيفوت ذلك.
وفي ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أن رب المال يرجع على الوكيل إن كان له مال، فإن لم يكن له مال رجع على الموهوب إن كان له مال، فإن لم يكن لواحد منهما مال رجع على أيهما أيسر أولا، وليس لمن رجع عليه منهما أن يتبع صاحبه بشيء، وإن أيسرا جميعا لم يكن له أن يتبع إلا الوكيل، بمنزلة إذا كانا جميعا موسرين ابتداء، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، وعليه يأتي قول سحنون هذا.
والثاني: أنه يرجع على الموهوب له إن كان له مال، فإن لم يكن له مال رجع على الوكيل إن كان له مال، فإن لم يكن لواحد منهما مال رجع على أيهما أيسر أولا، فإن رجع على الوكيل كان للوكيل أن يتبع الموهوب له، وإن رجع على الموهوب له لم يكن للموهوب له أن يتبع الوكيل، وهو معنى غير قول ابن القاسم، وهو أشهب في المدونة، وإذا كان للوكيل إذا رجع إليه أن يرجع على الموهوب له فالقياس على هذا إذا كانا موسرين أن يكون صاحب المال مخيرا في أن يتبع من شاء منهما؛ لأن الموهوب غريم غريمه، فله أن يتبعه ويدع غريمه، وقد روى ذلك عن أشهب.
والقول الثالث: أنه ليس لرب المال أن يتبع إلا الوكيل، فإن وجده معدما وكان الموهوب له موسرا فرجع عليه رجع الموهوب له على الوكيل، وهذا القول هو معنى ما حكاه أشهب عن بعض أهل المشرق، ونحا هو إليه في سماع أصبغ من كتاب البضائع والوكالات، وأما إذا صدق الرسول في أنه أخطأ باللحم على ما ذهب إليه مالك فلا اختلاف في أن له أن يطلب الرسول ويطلبهم الرسول بما طلب به، وان أراد أن يترك الرسول وبطلب الأخ، فذلك له إن رجع على الرسول ورجع الرسول على الأخ، فله هو أن يرجع عليه لأنه غريم غريمه.
وقال: إن الرجوع في ذلك يكون بالثمن، وذلك إذا كانت القيمة مساوية للثمن؛ لأن الواجب في ذلك الرجوع بالقيمة لا بالثمن الذي اشترى به، هذا إن كان اللحم جزافا، وأما إن كان وزنا فلا يكون الرجوع إلا بالمثل؛ لأن من تعدى على وزن فعليه المثل، ولو كان إنما أرسل باللحم مع غلامه على ما استفتح به المسألة لرجع بمثل اللحم أو قيمته إن كان جزافا على أخيه، ولم يكن في ذلك كلام، وقول عيسى تفسير لقول مالك؛ لأن الحالف إذا أغرم الرسول وتجافى الرسول عن إغرام الأخ الحالف، وإنما نفعه الرسول، وإذا أغرم الرسول الأخ وتجافى الحالف عن إغرام الرسول فإنما نفع الحالف الرسول لا الأخ الذي حلف على ألا ينفعه، وبالله التوفيق.

.مسألة كسا امرأته ثوبا فسخطته فحلف بطلاقها البتة إن هي لبسته:

ومن كتاب نذر سنة يصومها:
وسئل مالك: عن رجل كسا امرأته ثوبا فسخطته فحلف بطلاقها البتة إن هي لبسته، فذهب به ليرده على صاحبه فبعثت جارية لها فاتبعته حتى علمت موضعه ثم أرسلت فاشترته وقطعته درعا فلبسته.
قال مالك: أرى أن يُنَوَّى، فإن قال: إنما أردت ألا أكسوها أنا ولا تلبسه من مالي ولم أرد أن تتداوله الأسواق، أو أبيعه ثم تشتريه، أو تكساه فتلبسه، وإنما كانت نيتي من عندي، فلا أرى عليه حنثا، ويحلف على ذلك، وإن لم تكن له نية ولم ينو شيئا من هذا فأرى أن قد طلقت عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم في أن اليمين إذا عريت عن النية ولم يكن لها بساط عمل على مقتضى اللفظ، وأن من ادعى فيما يحكم به عليه من الأيمان نية محتملة غير مخالفة لظاهر لفظه نوي فيها مع يمينه إذا حضرته البينة ولم يأت مستفتيا، وبالله التوفيق.

.مسألة كان يسأل رجلا عشرة دنانير إلى أجل وحلف بطلاق امرأته إن لم يقضه:

وسئل: عن رجل كان يسأل رجلا عشرة دنانير إلى أجل وحلف بطلاق امرأته إن لم يقضه، فأراد أن يرهنه فيها سواري ذهب.
قال: لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب القائم من المدونة وغيرها أن من حلف ليقضين رجلا حقه لا يبر بالرهن ولا بالقضاء الفاسد؛ لأن البر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وقد قيل: إنه يبر بالرهن وبالقضاء الفاسد وإن نقض، وهو قول أشهب في سماع أصبغ من كتاب النذور، وقد مضى القول على هذا المعنى مستوفى في أول مسألة من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك.

.مسألة قال أنت طالق البتة إن خرجت في حق حتى أحج فأراد سفرا في ذي القعدة:

وسئل: عن امرأة خرجت إلى بيت أهلها بغير إذن زوجها فعاتبها زوجها في ذلك، فقالت: إنما خرجت في حق أديته، فقال: أنت طالق البتة إن خرجت في حق حتى أحج، فأراد سفرا في ذي القعدة، فأمرها أن تلحق بيت أهلها فخرجت إليهم.
قال مالك: لا أرى هذا حقا ولا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، فلا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لرجل بالطلاق البتة أن يقضينه حقه إلى أجل يسميه:

وعن رجل يحلف للرجل بالطلاق البتة أن يقضينه حقه إلى أجل يسميه إلا أن يحب أن ينظره فيأتي الأجل فينظره شهرا ثم يقول له بعد حلول ما أنظره إليه: ما علي يمين.
قال مالك: اليمين عليه إن لم يقضه حنث.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة وما يتخرج فيها من الاختلاف في رسم حلف ليرفعن أمرا، فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته البتة إن أنفق عليها شهرا إلا أن يرى غير ذلك:

وسئل مالك: عن رجل حلف بطلاق امرأته البتة إن أنفق عليها شهرا إلا أن يرى غير ذلك فجاءته وهو يتغذى فأكلت معه وتركها تأكل معه.
فقال له: أردت أن تأكل معك؟ قال: نعم، قال: إن كان ذلك الذي نويت ورأيت فلا شيء عليك، كلام فيه نظر، وأراه وقع على غير تحصيل، إذ لا يضره إلا أن تكون له نية؛ لأن قوله: إلا أن يرى غير ذلك- يحمل إذا لم تكن له نية، على أنه إنما أراد بذلك إلا أن أنفق عليها، لا على أنه أراد بذلك إلا أن ألا أطلقها؛ لأن رد الاستثناء إلى الإنفاق له فائدة، وهو أقرب مذكور، ورده إلى الطلاق لا فائدة فيه؛ لأنه برى، والبرى في الطلاق لا يصح ولا ينفع مع أنه أبعد مذكور، ويترك أن يتحمل على ما فيه الفائدة، وهو أقرب مذكور، وهذا ما لا إشكال فيه ولا اختلاف، ونحوه في كتاب العتق الأول من المدونة، وإنما يختلف إذا قال امرأتي طالق إن فعلت كذا وكذا إلا أن يشاء الله، فقيل: إن الاستثناء لا ينفعه وإن رده إلى الفعل، والصواب: أنه ينفعه إلا أن يرده إلى الطلاق، وسيأتي القول على هذا إن شاء الله.

.مسألة حلف فقال حرم علي ما حل لي في رجل يشتمه إن لم يكتب بينة ويرفعها:

ومن كتاب المحرم يأخذ الخرقة لفرجه:
وسئل مالك: عن رجل حلف، فقال: حرم علي ما حل لي في رجل يشتمه إن لم يكتب بينة ويرفعها، أفترى إذا رفعها أن يخرج عن يمينه أم حتى يخاصمه ويقاعده؟
فقال: بلى حتى يخاصمه ويقاعده.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن معنى ما حلف عليه أن يثبت عليه سبه إياه ويوبخه بتوقيفه إياه على ذلك وتقريره عليه، فلا يبر إلا ببلوغ الغاية في ذلك بالمخاصمة والمقاعدة، فإن تجافى بعد هذا عما يتعين له عليه في سبه إياه من الأدب لم يحنث، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لها إن خرجت بك من موضعك إلا برضاك فأنت طالق فرضيت:

وسئل مالك: عن رجل حلف لامرأته من غير شرط يكون لها عليه إن خرجت بك من موضعك إلا برضاك فأنت طالق البتة، فرضيت وأشهدت بذلك أنها راضية غير مكرهة ولا مضطرة ولا مغلوبة على أمرها راضية بذلك مسلمة له راغبة في رضاه.
قال مالك: أرى إن خرجت معه عن رضا منها فلا شيء عليه، ولكن أرى عليه إن أرادت منه أن يردها إلى الموضع الذي أخرجها إليه بعد رضاها وتسليمها ذلك إلى الموضع الذي خرجت منه أن ذلك يلزمه. قيل له: وإن هو خرج بها برضاها إلى موضع ولم يجد ما يردها به ولم يقو على ذلك؟
قال: لا أرى أن يخرجها إلى موضع إن سألته ذلك وطلبته.
قال سحنون: لا يلزمه ذلك أن يردها إلا أن يكون شرط لها أن يردها.
قال محمد بن رشد: قد اختلف في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
أحدهما: قول مالك: هذا إنه يلزمه أن يردها إذا سألته ذلك فإن لم يفعل حنث وإن كان تطوع لها باليمين.
والثاني: أنه لا يلزمه أن يردها وإن كان اليمين شرطا في العقد، وهو قول ابن القاسم في رواية سحنون عنه الواقع في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح.
والقول الثالث: الفرق بين أن يتطوع لها باليمين أو يكون شرطا عليه في أصل العقد، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه، وقد مضى هذا كله والقول فيه مستوفى بعلله في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم في كتاب النكاح، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة لم يشهد للمرأة على زوجها بالطلاق إلا شاهد واحد:

وسألته امرأة: عن زوج لها كان يضربها وكان يخبرها أن بني عم له يحملونه على ذلك، وأنه كان بينه وبينها كلام وضربها، فقالت له: هذا عمل بني عمك يحملونك على هذا، قال: أنت طالق البتة، إن كانوا قالوا لي شيئا، فقالت له: اتق الله فإنها الفروج، أنت كنت تخبرني أنهم هم الذين يحملونك، قال: فإني وهمت حين حلفت، ورجل يشهد على مقالته.
قال: أرى أن يستحلف بالله فيما يدعي، لو شهد عليه رجل آخر حلف مع الذي شهد عليه أنه قال وهمت لرأيت ذلك فراغا من الأمر، يريد بذلك أن تطلق عليه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن شهادة الرجل الواحد عليه بهذه المقالة كشهادته عليه بالطلاق، وإذا لم يشهد للمرأة على زوجها بالطلاق إلا شاهد واحد فلا يلزمه إلا اليمين، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، وبالله التوفيق.

.مسألة مرض فذهب عقله فطلق امرأته ثم أفاق فأنكر ذلك:

أوله مرض وله ولد، وسئل عن رجل مرض فذهب عقله فطلق امرأته ثم أفاق فأنكر ذلك وزعم أنه لم يكن يعقل الذي صنع، وأنه كان لا يعلم شيئا من ذلك.
قال: أرى أن يحلف ما كان يعقل ويخلى بينه وبين أهله.
قال محمد بن رشد: وإنما يكون ذلك إذا شهد العدول أنه كان يهدي ويتخبل عقله، وأما إذا شهدوا أنه لم يستنكر منه شيء في صحة عقله فلا يقبل قوله، ويمضي عليه الطلاق، قاله ابن القاسم في العشرة، وكذلك الحكم في السكران، وقد مضى القول في حكم السكران في أول كتاب النكاح مستوفى، وقد تكررت هذه المسألة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب طلاق السنة، ومضى القول عليها هناك، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لها في جارية ألا يطأها وهو ينوي برجله على بطنها:

ومن كتاب أوله:
قال سحنون قال أشهب وابن نافع سئل مالك: عمن ابتلي من امرأة بالغيرة فحلف لها في جارية ألا يطأها، وهو ينوي ألا يطأ برجله على بطنها.
فقال: أكره أن يفعل ذلك، وذلك يسوق إلى غير ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا نحو ما في رسم أبي زيد من كتاب النذور من اللغو في اليمين، وهو على وجهين:
أحدهما: أن يلغز فيه لمن يحلف له متعدرا من شيء أو متمخيا منه أو تطيبا لنفسه في غير حق يتعلق له قبله كنحو هذه المسألة، إذ لا حق لامرأته في ترك وطء أمته.
والثاني: أن يلغز له على وجه المكر والخديعة في حق يتعلق له قبله، فأما الوجه الأول ففيه ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه لا ينتفع بلغزه؛ لأن اليمين على نية المحلوف له، وهو قول مالك في التخيير والتمليك من المدونة في الذي يحلف للسلطان طائعا، فيقول: امرأتي طالق وزعم أنه أراد امرأة كانت له قبل.
والثاني: أنه ينتفع به وتكون له نيته فيه، إلا أن ذلك يكره له أن يفعله مخافة أن يكون ذلك ذريعة إلى استسهاله على وجه المكر والخديعة، وهو قول مالك في هذه الرواية.
والثالث: أنه ينتفع به وتكون له نيته فيه، ولا يكره له أن يفعله، والى هذا ذهب ابن حبيب.
وأما الوجه الثاني ففيه قولان:
أحدهما: أنه لا ينتفع بلغزه؛ لأن اليمين على نية المحلوف له.
والثاني: أنه ينتفع بلغزه وتكون له نيته فيه، وهو آثم في فعله، وسواء كان لغزه في اليمين بالله وما لا يحكم به عليه من المشي وشبهه، أو فيما يحكم به عليه من العتق والطلاق، غير أنه إن كان فيما يحكم به عليه من العتق والطلاق وطولب باليمين فادعى الإلغاز فيه استظهر عليه في ذلك باليمين، كانت عليه في اليمين بينة أو لم تكن، إذا كان مقرا باليمين، وأما إن أنكر اليمين فلما ثبت عليه ادعى الإلغاز فيه فلا يصدق، ويقضي عليه بما ظهر من يمينه، وقد مضى بيان هذا في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب النذور.

.مسألة قال امرأتي طالق إن كان يدخل بطون العباد شيء أخبث من الشراب المسكر:

وسئل: عمن قال: امرأتي طالق إن كان يدخل بطون العباد شيء أخبث من الشراب المسكر.
فقال مالك: الدم والميتة ولحم الخنزير، وما هذا عندي باليمين، ثم تفكر فيها طويلا، ثم قال: لو طلقتها واحدة ثم ارتجعتها، فقيل له: إنها ليست عنده إلا بواحدة، فقال: قال الله عز وجل في الربا: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279]، وليس هذا في الخمر، يأخذ دينارا بدينارين يأكله، إذا أخذه الذي يشرب الخمر جلد وخلي، وإذا أخذه الذي يأكل الميتة عذب عذابا أليما، فأرى أن يفارق امرأته، قال: أترى أن يفارقها؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: حمل مالك يمين الحالف بالطلاق على أنه لا يدخل بطون العباد شيء أخبث من الشراب المسكر، على أن المعنى فيه أنه لا يدخل بطونهم شيء هو أشد في التحريم وأعظم في الإثم وأكبر في الجرم من الشراب المسكر، ولذلك رأى الطلاق قد لزمه. وقيل: من أجل أنه رأى الربا أشد تحريما وأعظم إثما وأكبر جرما، بدليل ما توعد الله به في الربا، ولم يذكر في الخمر مثله، فعلى هذا التأويل لو حلف الحالف أنه لا يدخل بطون العباد أخبث من الربا لم يحنث. وقيل: إنه إنما رأى الطلاق قد لزمه من ناحية الشك أنه لا يدري أي المحرمات أخبث، أي أشد في التحريم وأعظم في الإثم، بدليل قوله: وما هذا عندي بالبين، فعلى هذا التأويل لو حلف أنه لا يدخل بطون العباد أخبث من الربا لحنث أيضا، وهو أولى التأويلين لعدم النص في ذلك، وهذا صحيح إذا أراد الحالف هذا المعنى الذي حمل عليه مالك يمينه أو كان ثم بساط يدل عليه.
وأما إذا عريت يمينه من نية أو بساط فلا ينبغي أن يحنث؛ لأن الخبث القائلة والشر والخبيث نعت كل فاسد، وفي الخمر معاني خبيثة ليست في سائر المحرمات من ذهاب العقل وإيقاع البغضاء والعداوة والصد عن ذكر الله وعن الصلاة كما ذكر الله تعالى، فيجب أن تحمل يمين الحالف بهذه اليمين إذا لم تكن له نية، على أنه أراد أنه لا يدخل بطون العباد شيء أشد عليهم وأضر بهم في دينهم ودنياهم من الشراب المسكر فلا يحنث؛ لأن من سكر جهل على الناس وسفه في ماله واستسهل الجرائم وعطل الفرائض، وقد روي أن سبب يمين هذا الحالف هو أنه رأى سكرانا في بعض أزقة المدينة يروم تناول القمر ليدخله في كميه، وفي بعض هذا بيان.